نظمت مجموعة البحث في الثقافة الشعبية والفكر الصوفي بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بالجديدة، بشراكة مع جمعية "عيون المغربية للثقافة والنقد والإبداع"، قراءة في كتاب [المعتمد بن عباد ضيفاً على المغرب] للناقد والمبدع الدكتور عبد الدين حمروش، وذلك يوم الأربعاء 24/12/2014 بمدرج التوحيدي.
ترأس الجلسة الدكتور عزب العرب إدريسي أزمي، وشارك في مناقشة مضامين الكتاب وتقديم قراءات فيه كل من الأساتذة : الدكتور عبد العزيز بنار، والدكتور عبد الجبار لند والدكتور أحمد المكاوي.
استضافة المعتمد بن عباد بالمغرب،انتصار للقصيدة والشعراء
مدخل لقراءة كتاب" المعتمد بن عباد ضيفا على
المغرب" للدكتور عبد الدين حمروش
عبد العزيز بنار
في عالم تهتز فيه القيم وتحتشد فيه الأفكار بعيدا عن
الحقائق ،يُكتب لنظرية الأدب أن تغتني بمجهودات مفكرين وإضاءات أدباء ونقاد لتعيد
ترتيب ما شاب التاريخ والحياة عامة من نسيان و مكر.تتكوكب هذه المجهودات لتلفت
الانتباه إلى الأنساق الثقافية والفكرية الخبيئة في تجاويف تاريخ الأدب،من خلال
إعادة قراءة هذا التاريخ بوصفه جزءا من تاريخ الانسانية الذي ساهم في إغنائه أدباء
وشعراء من مختلف الحقب.في هذا المساق يأتي كتاب "المعتمد بن عباد ضيفا على
المغرب" الصادر عن مركز الدراسات والأبحاث الإنسانية-مدى- جامعة الحسن الثاني(
2014).لوجاهة المقاربة التي يقدمها وما استدعته من مناهج ولغة واصفة،والقدرة على
استحضار حياة المعتمد بن عباد ،الشاعر،والحاكم والأسير.وما اعتمل في أضعاف هذه
المرحلة التاريخية العصيبة وإنتاجه الشعري من أحداث وإلماعات يمكن الاعتداد بها
لفهم قصود هذه الاستضافة ودلالاتها.
يتوزع الفضاء النصي للمؤلف النقدي على(210) صفحات. محض فيه
الباحث جهده لإعادة قراءة تاريخ الأدب في عهد المعتمد بن عباد من خلال بنية كالآتي:بين
يدي الكتاب،ابن عباد ضيفا على المغرب،الوقوف على قبر المعتمد بن عباد،ديوان
الأندلسيات المغربيات،المغربيات من قصائد المعتمد،المغربيات من قصائد الوافدين على
المعتمد،بين يدي الخاتمة/الفاتحة.
قراءة في العنوان وخطاب المقدمة/الخاتمة:نقطة
التفارق في المؤلف النقدي تبدأ بعنوانه.إذ أن هذه العتبة ماكرة تحمل عكس ماتوحي به
من دلالات.خاصة وأنه من كرم الضيافة أن يكرم الضيف ويحتفى به إطعاما وترحيبا
وإقامة أخذا بما عرف عن العرب في هذا الباب.لكن الضيافة كانت أقصى ومحنة الوجود
بأغمات كانت أعمق. لأن المتعمد جاءها أسيرا ولم يستقبل كحاكم وراع لصورة الدولة
المرابطية والإسلام في الأندلس.هنا الضيافة تغدو الضيافة إهانة أو مراقبة لحاكم
أزعج يوسف بن تاشفين.لذلك ألا يمكن اعتبار هذا الأسر استضافة للأندلس في شخص
المعتمد؟ألا يغدو الأمر شبيها بمركزة السلطة بأغمات ترهيبا لما تبقى من ملوك
الطوائف بالأندلس؟.هذا ما تلمح إليه المقدمة التي تستحضر شهرة المعتمد وتماس
العديد من العوامل تفسر أسره،عوامل يتداخل فيها السياسي بالأدبي والديني والثقافي
والجغرافي.لكن حدث أسره ساعد على التواصل بين ممن خالطوه من أدباء بالمغرب والأندلس
والمشرق.والنقطة المشرقة في هذا كله ما تورده الخاتمة التي اعتبر فيها الباحث
الأندلس قضية حضارية وفي قلبها المعتمد ستساعد على الوعي بهذا البعد الممتد
للاندلس في الوجدان والمتجذر في الهوية الوطنية ،إنه التعدد المطل على أفق انساني.
الكتاب في شقه العالم:يتيح
لنا الفصل الأول من الكتاب معرفة ظروف أسر المعتمد وعلاقة بيوسف بن تاشفين،والتي
يمتزج فيها الشخصي بالجغرافي والسياسي والديني والثقافي واللغوي.لقد اعتبر بن
تاشفين نفسه حاميا للدين والتاريخ الإسلامي ضد النصرانية وومدافعا عن قيم الفخر
،لذلك هدفه هو هزم ملوك الطوائف لامتلاك رقعة جغرافية كبيرة تسمح له بمنافسة
المشارقة.وما سيق حول المعتمد وإهانته للمرابطين بامتناعه عن مساندة المرابطين في
معاركم،وإدانة حكمهم ودفعه الجزية لأدفونش.مما يجعل حياته شبيهة بما عاشه ابو فراس
الحمداني والمتنبي.ونظرا لما تميز به المعتمد من صفات للجمال والشجاعة والبلاغة
والكرم..جعل حياته تكتسي طابعا أسطوريا اختلطت فيها الواقع بالخيال كما تجلي ذلك
رؤاه وأحلامه التي تجعل منه شخصية متفردة تتمتع بألوان الغرابة والتعجيب.هناك
مصادر كثيرة تغدي قوة المعتمد التي لقيت تعاطغا كبيرا ما كان له أن يحصل لو أن
الحاكم الشاعر قُتِل.من هذه المصادر،المصدر المشرقي والنزعة الوكنية الأندلسية والمصدر
المولوكي والشخصي،والشاعرية التي أتاحت له اللقاء بأغمات التي جاءها عبر طنجة
ومكناسة مع شعراء مثل ابن اللبانة وابن الخطيب الذي كانت نهايته صعبة.هكذا يكون
المعتمد بن عباد قد لقي تعاطفا كبيرا من الأدباء الذين كان يكرمهم.وقد تعددت
الروايات في تعامل يوسف بن تاشفين مع المعتمد ،هناك من رجح الإهانة وأن أبناءه قد
قُتلوا وسُلبوا ما كان يملكونه وأن ابته غدت غازلة صوف، ورواية أخرى أكدت معاملته
معاملة طيبة ،إذ سمح للطبيب والأدباء
بزيارته،ممن خالطوه من الأدباء كالشاعر ابن اللبانه كما ينقل ذلك عبد الواحد
المراكشي في المعجب.وقد كانت محنة المعتمد تزداد بعد مغادرة الأدباء و الأسرى خاصة
أهل فاس ممن شاركوه نفس المحنة.يتيح المؤلف النقدي بابا لمعرفة التناقض الذي يعتري
الهوية المغربية الأندلسية حيث يبدو المغرب بكل أحيازه فضاء للسلب و تناسل الأحداث
الدرامية،إذ كانت ظروف الأسر فرصة لاستحضار علاقة المعتضد بالمرابطين وجموحهم نحو
السلطة"و قصة "حديقة الرؤوس"
وعلاقة المعتمد بالشاعر ابن عمار الذي سيقتله المعتمد في حادث درامي ويصلي
عليه ويحرص على دفنه بالقصر المبارك بعد
أبيات نظمها في هجاء عائلة المعتضد.وإذا المغرب قد رأى في حكم المعتمد خطرا يهدد
الدين والمرابطين من الطوائف فإن الأندلس كانت ترى في نفسها نقاء الهوية الوطنية
العربية الأرستقراطية.أما المغرب حسب ما تنقله المصادر وأشعار من خالطوا المعتمد
فضاء للنفي والاغتراب والبرابرة والموت والفجيعة .لهذه المترتبات في سوء الفهم
يدعو المؤلف إلى إعادة قراءة الحالة المغربية الأندلسية في بعدها الإثني والتاريخي
والفني والثقافي مما يمنح الموضوع غنى وعمقا.وقراءة المعتمد بين أهله وفي بلده
المغرب/الاندلس.
في الفصل الثاني تتعمق دلالة الأسر والوقوف على قبر المعتمد
إلى البكاء على دولة بني عباد،إذ يغدو قبر المعتمد قبلة للأدباء والشعراء والضيوف
الذين جمعتهم القصيدة بجمالها ورقتها.إنها القصائد المغربيات التي نظمها المعتمد
أو الشعراء الذين زاروه.وقد تراوحت موضوعات هاته المغربيات رثاء المدن والإمارات
وما ألت إليه أوضاع الممالك مع حركة الاسترداد وسقوط طليطلة وتنامي مد هذه الحركة
في هزيمة "العقاب".أغلب موضوعات هذه القصائد كان الرثاء والمدح والكرم والوصف والحنين والافتخار
بالأمجاد والبكاء كما حملت ذلك قصائد بن
زيدون ،ابن عمار ،الحصري ،ابن الخطيب ،ابن اللبانة،ابن عبد الصمد،ابن حمديس،...وارتباط
هؤلاء الشعراء بالمعتمد كان"له أكثر من تجل شعري في قصائدهم.وإذا كان الماضي
شاهدا على حدبه ،فإن المستقبل لن يشد عن ذلك،في سياق ترقب عودة الملك" ص 123.
ويستطيع الباحث أن يتوقف مع صاحب الكتاب عند دراسات نصية للمغربيات وما تضمره من
أبعاد إنسانية وفنية تزيد من تقريب صورة المعتمد وعلاقته بأدباء عصره وما تميز به
زمانه من وشوم وفجائع ظل فيها المعتمد علامة ومحجا لكل صفات الشاعرية والكرم
والشجاعة و الفخر.
ملحق القصائد المغربيات الاندلسيات: تخلقت
في أغلب القصائد التي نطمها المعتمد(44 قصيدة ) موضوعات التحسر والحنين والبكاء
والغربة و المدح .والقناعة والصبر والتفاؤل..وهي قصائد تتيح قراءة المعتمد والعصر
قراءة أخرى
المعربيات من قصائد الوافدين على المعتمد: اختار المؤلف أن
يدرج ضمنها قصائد أبو بكر اللبانة،،وابن حمديس،وأبو بكر بحر بن عبد الصمد ، أبو
عبد الله بن ابراهيم،أبو العلاء بن زهر.وهي قصائد تذكر بأخلاق المعتمد والتحسر على
ما آلت إليه أوضاعه .
المصطلح النقدي وتعدد المقاربات:يجلي
المؤلف حضورا لتعدد المرجعيات،توزعت بين مجال المعرفة الأدبية والنقدية ،ساهمت في
توفير جهد نقدي انصهرت فية العديد من القضايا النقدية تجاوزت حدود اعتبار استضافة
المعتمد استضافة أسير إلى استضافة تاريخ وأدب وأدباء وثقافة امتزجت فيها مكونات
الهوية المغربية العربية الإسلامية.حيث ارتبطت تجربة المعتمد بالأسر والاغتراب
والرثاء والتحسر الفخر والحنين ،الوصف...في هذا المساق كان الباحث أكثر انفتاحا
على مقاربات مختلفة ،كالمنهج التاريخي،والاجتماعي والموضوعاتي،والنقد الثقافي،
والنقد الفني...مع ماتميز به المنزع التحليلي من دقة وتماسك وبساطة في التركيب
وتفصيل ومقارنة و استشهاد وتمثيل،واستناد إلى عيون ومصادر الأدب الأندلسي
والمغربي(ابن خلكان،بن بسام ، الأصفهاني ،عبد الواحد المراكشي..)
تركيب وإعادة القراءة :
عطفا على ما سبق يبدو أن التفاتة عبد الدين حمروش إلى
المعتمد بن عباد لم يكن بذخا وترفا مفاده اجترار ما سيق حول هذا الشاعر المتعدد
والمضياف وإنا يلمس الباحث دلالة هذه الالتفاتة من خلال إعادة تجسير الروابط مع
جزء من التاريخ المغربي والعربي أيام حكم المرابطين للأندلس وما تميزت به المرحلة
من حساسية أدبية وسياسية جعلت المعتمد أكثر حضورا من غيره من الشعراء الذين عاشوا
تجربة الأسر وعانوا كثيرا دون أن يكتب لأصواتهم أن تشيع وتترسخ في ذاكرة الحاضر والمستقبل.لذلك
فدلالة الاستضافة أقوى من كونها مجرد حضور أسير بأغمات.بل حضور تاريخ الأندلس
ولقاء بين الأدباء على شرف السياسية ،أو جلاء مكر السياسة تحت لحاف متعدد
الألوان،مكر تتشكف فيه أقنعة في مرايا القصيدة.هكذا يكون د عبد الدين حمروس قد منح
القارئ فرصة وأفقا جديدا لإعادة قراءة تاريخ الأدب من منظور ثقافي وتاريخي لا يلغي
تقاطعه مع حقول عديدة. وأخيرا يمكن للقراء بمختلف مواقفهم أن يتساءلوا بصيغة التعدد عن دلالة التواصل مع المعتمد/الأسير/الفقيد/القبر/الحاكم/الشاعر...إلى
الحد الذي يجعل من المعتمد رمزا ومن الكِتاب دعوة لمراجعة تاريخ الأدب.
المقال منشور أيضاً في جريدة القدس العربي، للاطلاع عليه يرجى فتح الرابط التالي :
&&&&&&&&&&&
&&&&&&&&&&&
ومضات من كتاب " المعتمد بن عباد ضيفا على المغرب"
المقال منشور أيضاً في جريدة القدس العربي، للاطلاع عليه يرجى فتح الرابط التالي :
http://www.alqudsalarabi.co.uk/?p=149923
&&&&&&&&&&&
&&&&&&&&&&&
ومضات من كتاب " المعتمد بن عباد ضيفا على المغرب"
عبد الجبار لند
إن كتاب المعتمد بن عباد ضيفا على المغرب للناقد والمبدع
الشاعر والقاص الدكتور عبد الدين حمروش، يعدّ محاولة رائدة عملت على سبر أغوار
الأدب والشعر، من أجل إعادة صياغة التاريخ، الذي جمع بين عدوتي المغرب والأندلس.
وهذا يظهر جليا من خلال الجمع والاستقصاء الذي قام به الناقد للأخبار والوقائع
والأحداث التي أحاطت بمرحلة هي من أهم المراحل التي جمعت بين الضفتين؛ مرحلة
اجتمعت فيها شخصيتان عظيمتان، هما : الشاعر والأديب والأمير المعتمد بن عباد،
والملك الزاهد المجاهد يوسف بن تاشفين؛ وكذا جمعه للأشعار التي قيلت في هذا الصدد،
وسميت عنده بـ "المغربيات".
فالكتاب وثيقة فنيّة نقدية أدبية تاريخية، لا يمكن في
جلسة واحدة مقاربة مضمونه وأساليبه ومنهجيته ومناهجه، والإحاطة بمضامينه، وما ضمّه
بين دفتيه من شعر غزير للمعتمد نفسه ولغيره من شعراء الأندلس الذين كانوا يفدون
عليه بأغمات، أو رثوه به بعد وفاته.
هكذا اقتضى المقام تسمية هاته المداخلة ـ حتى لا نُبخس
الكتاب حقّه ـ بـ "ومضات من كتاب المعتمد بن عباد ضيفا على المغرب"،
والتي ستحاول أن تُعرّج على بعض القضايا التي ناقشها المؤلّف، وكذا على المناهج
التي اعتمدها؛ وهي فيما يبدو متعددة ومتداخلة، يغلب عليها المنهج التاريخي.
والكتاب كما يظهر من الحجم المتوسط، عدد صفحاته مائتان
وعشر صفحات (210ص)، يتضمن مقدمة سمّاها "بين يدي الكتاب" وثلاثة فصول هي
كالآتي:
ـ ابن عباد ضيفا على المغرب.
ـ الوقوف على قبر المعتمد.
ـ ديوان الأندلسيات المغربيات، وهو يتضمن الأشعار التي
قيلت بمناسبة ترحيل المعتمد إلى المغرب من قبله، ومن قبل شعرائه: أبو بكر بن اللبانة،
وابن حمديس، وأبو بكر بحر بن عبد الصمد، وأبو عبد الله بن إبراهيم.
ـ الخاتمة.
ففي المقدمة، حاول الدكتور عبد الدين حمروش أن يقف على مناقب الملك الشاعر،
وأهمية العصر الذي عاش فيه، من حيث الأحداث التاريخية. إذ عرف مرحلة مفصليّة من
تاريخ الأندلس، شهدت أفول نجم الأمويين وظهور ملوك الطوائف، ونهوض المرابطين، وعلى
رأسهم يوسف بن تاشفين لاستنقاذها من أيدي القشتاليين الذين كانوا يتربصون بها. وقد
تُوّج هذا كله ـ كما يقول الكاتب:" بحدثين عظيمين تجسّد في معركة الزلاّقة في
بداية الأمر، وترحيل المعتمد معتقلا إلى المغرب في نهايته"(1). وكذلك من حيث الزخم
الأدبي والشعري الذي صاحب هذا الحدث. يقول الكاتب:" ويكفي أن نستدلّ على
الأهمية التي اكتساها العصر، باجتماع ستة شعراء أندلسيين كبار، بالموازاة مع
اجتماع ثلاثة رجال حكام كبار. بالنسبة للشعراء، فهم ابن زيدون، ابن عمّار، ابن
حمديس، ابن اللبّانة، ابن عبدون، والمعتمد، أما بالنسبة للساسة، فهم ملك قشتالةالأدفونش،
وأمير المسلمين يوسف بن تاشفين، وحاكم إشبيلية المعتمد بن عباد" ((2.وفي نهاية المقدمة يبرز الكاتب هدف الدراسة، وهو
قراءة التاريخ واستخلاص العبر، والبحث عن فرص التواصل بين الثقافات والحضارات.
أما الفصل الأول الذي عنونه بـ "ابن
عباد ضيفا على المغرب"(3)، وأضاف إليه عنوانا
فرعيا وحيدا مقصودا فيما يبدو هو : "في التواصل الثقافي المغربي
الأندلسي"، فقد حاول فيه إلقاء الضوء على الأحداث التي واكبت تولي المعتمد بن
عباد إمارة اشبيلية ، وما عرفته حياته من بذخ وثراء ولهو، وما تلاها من وقائع
انتهت بإنهاء حكمه، وترحيله إلى المغرب من قبل يوسف بن تاشفين، استقراره بأغمات،
وهنا يعرج الكاتب على مجموعة من الأحداث السياسية التي طبعت حياته، خلال مجموعة من
الثنائات ، كالثنائية :(4)
المعتمد / ابن عمار
المعتمد / ابن تاشفين
وكذلك الثنائية :
المعتمد / الأدفونش
المعتمد / المعتصم بن صمادح
إضافة إلى المعاناة النفسية التي كابدها
المعتمد ، هو وأهله بعد النفي وتبدل الحال ، وقد استعان المؤلف في تحليل هذه
الأحداث بروايتين الأولى لابن بسام في كتاب الذخيرة، والثانية لعبد الواحد المراكشي في كتاب المعجب،
(5)كما أتى بنتف من الأبيات الشعرية التي تعكس هذه المعاناة، من ذلك قوله يصف
ما ألم به من بؤس وعوز وفاقة، بعد عز ونعمة ومجد، يقول:6)).
فيما مضى كنت بالأعياد مسرورا فساءك العيد في أغمات مأسورا
ترى بناتك في الأطمار جائعـــــة يغزلن للناس ما يملكن قطميــرا
يطأن في الطين والأقدام حافيــــة كأنها لم تطأ مسكــــا
وكافـــورا
وفي هذا المقام لم يفت الأستاذ الباحث الوقوف
عند مجموعة من الفضائل النفسية والعرضية التي تحلى بها المعتمد وجعلته مقصد
الشعراء في عصره، ومنها السخاء والشجاعة والشاعرية.
أما الفصل الثاني فإنه لا يشذ في طريقة
عنونته عن سابقه، إذ نجده يضم عنوانين الأول رئيسي والثاني فرعي:7))
ـ الوقوف على قبر المعتمد
ـ البكاء على أطلال دولة بني عباد
وهذه الثنائية المتساوقة المتلازمة في الشعر
العربي القديم وفي نموذج القصيدة التقليدية، تظهر مقصدية اختيار العنوان فكثيرا ما
تلازم الوقوف على الدمن بالبكاء على الأطلال، من ذلك قول امرئ القيس في مطلع
معلقته:8))
قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل بسقط اللوى بين الدخول فحومل
فالعنوان يحيل على ارتباط أفول دولة بني عباد
بأفول نجم المعتمد ووفاته وفاتين الأولى
معنوية بعد انتهاء حكمه وتهجيره وأهله إلى أغمات، والثانية مادية جسدية بعد
أعوام قليلة من ذلك ، لم تتعد أربع سنوات، كانت مليئة بالأحداث خصبة بما نظم فيها
من شعر من لدن الشاعر نفسه، ومن قبل زائريه الذين آلمهم ما آل إليه حاله، يقول
الدكتور عبد الدين حمروش في مستهل هذا الفصل: " شكل المغرب ومنه أغمات
بالتحديد، قبلة لكثير من زوار المعتمد في سجنه، وبين أولئك الزوار، كان من
الوافدين شخصيات أندلسية رفيعة ، خصوصا ممن كانوا يتعاطون العلم والمعرفة والأدب، وسواء بدافع الوطنية
الأندلسية حينا أو بدافع الاعتبار بحال الأسير الطارئ حينا ثالثا ن فقد ألفينا
المعتمد، في معتقله، يحوز مختلف معاني التعاطف من قبل كل من
انشغل بقضيته التي كان لها أكثر من بعد" وقد كان نتيجة لهذا كله كما يشير
الأستاذ ظهور ما سماه " اختصارا" المغربيات، التي قسمها قسمين:
الأول: يضم القصائد التي نظمها المعتمد،
بتأثير محنته في أغمات 10))
الثاني: النصوص الشعرية التي قالها الشعراء
الأندلسيون ، الذين زاروا المعتمد قيد حياته، أو رثوه بعد وفاته11) )، وهم:
ـ أبو بكر بن اللبانة
ـ ابن حمديس الصقلي
ـ أبو العلاء زهر بن عبد الملك بن زهرة
ـ أبو عبد اله بن إبراهيم الحجاري
ـ لسان الدين بن الخطيب.
وتتمحور مغربيات المعتمد بن عباد حول موضوع
الرثاء، كما يصنف الكاتب موضوعاته كالتالي :
أـ وصف حياة الأسرة
ب ـ مراسلاته الشعرية
ج ـ الحنين إلى الديار، وحياة القصور
د ـ الفخر بالماضي التليد لبني عباد
ه ـ الاعتبار بالحال الطارئ بعد العز والمجد،
و ـ رثاء الأبناء، وهم الراضي والمأمون
ي ـ رثاء النفس.
وفيما يلاحظ فقد اقترن رثاؤه بالفخر من ذلك
قوله(12):
قبر الغريب سقاك الرائح الغادي حقا طفرت بأشلاء ابن عبادي
بالحلم بالعلم بالنعمى إذا اتصلت بالخصب إن جدبوا، بالري للصادي
بالطاعن الضارب الرامي إذا قتلوا بالموت أحمر، بالضرغامة العادي
بالدهر في نقم، بالبحر في نعم بالبدر في ظلم بالصدر في النادي
فهذه النص يقف شاهدا على امتزاج الرثاء
بالفخر في شعر ابن عباد.
غير أن مراثي الشعراء الأندلسيين في ابن عباد
قد امتزجت بالمديح الذي يعد كما قال ابن رشيق رديف الفخر في وصف محاسن الممدوح13))، يقول الدكتور عبد الدين حمروش: "يبدو
معظم المغربيات كأنها استمرار لقصائد المدح التي كانت تلقى بحضرة المعتمد في أوج
ملكه، فلولا المعرفة بمقامات القصائد، إضافة لبعض أبيات البكاء الصريحة لبتنا بصدد
المديح بالنسبة لمعظم تلك القصائد"14)).
وقد انصب أغلب المديح عند هؤلاء الشعراء على
الصفات التي تميز بها الممدوح، ومنها:
ـ الكرم:
من ذلك قول ابن اللبانة:15))
أنت للفضل كعبة ولو أني كنت أستطيع لاستطعت الطوافا
نلاحظ هنا حضور تشبيه التمثيل الذي يزيد
الصورة الشعرية بعدا، إذ شبه الشاعر المعتمد بالكعبة التي يحج إليها المؤمنون طلبا
للمغفرة والتواب، والرضا من الله، بينما يحج الشعراء إلى المعتمد طلبا للنوال
والعطايا والندى، فالطواف هنا طواف رمزي يصور جمالية القول وتفتيق المعاني، مما
يروق للممدوح، فيجزل العطاء.
ومن الصفات التي مدح بها المعتمد، أيضا صفة
الشجاعة، يقول فيه ابن عبد الصمد16)):
أيام تخفق حولك الرايات فو ق كتائب الرؤساء والأجناد
والخيل تموج والفوارس تنتجي بين الصوارم والقنا الميادي
وقد حاول هذا الشاعر الجمع والتوليف في مدح
لابن عباد بين صفات السماحة والشجاعة والعقل والعدل مما حده قدامة بن جعفر في
قوله: "إنه لما كانت فضائل الناس ، من حيث إنهم ناس، لا من طريق ما هم
مشتركون فيه مع سائر الحيوانات ، على ما
عليه أهل الألباب، من الاتفاق في ذلك، إنما هي: العقل، والشجاعة، والعدل، والعفة ،
كان القاصد لمدح الرجال بهذه الأربع الخصال مصيبا ، والمادح بغيرها مخطئا"17))، يقول فيه:18))
ورياسة يحمي البلاد رئيسا يوماه يوم ندى ويوم جلاد
ومن ثم فقد أبدع الشاعر في الجمع بين هذه
الفضائل النفسية التي تحدث عنها النقاد كقدامة بن جعفر، وابن رشيق وابن طبطبا
العلوي وغيرهم, ونجده في شعر الأقدمين.
وتنضاف إلى هذه الصفات والفضائل النفسية ،
صفات عرضية، من أهمها صفة الإشراق والبهاء والسمو والرفعة19))، إذ شبهه الشعراء بالبدر والشمس، مما دأب
عليه الشعراء القدماء من ذلك قول نصيب: 20))
هو البدر والناس الكواكب حوله وهل يشبه البدر المنير الكواكب
وعليه نجد قول ابن اللبانة يتمنى عودة
المعتمد إلى سالف مجده وعزة ملكه، مثلما يعود البدر إلى كبد سمائه. يقول:21))
تأهب أن تعود إلى طلوع فليس
الخسف ملتزم البدور
كما نجده يمدحه بعلوّ النسب وشرف الأصل الذي
يرتفع إلى المنذر بن امرئ القيس ابن النعمان الملقّب بماء السماء، يقول فيه:(22)
من لي بكم يا بني ماء السماء إذا ماء السماء أبى سُقيا الحشى
الصاد
فقد تأنّق هذا الشاعر في تصيّد الجناس
المركّب، مما لا يسع المقام بسْط الحديث فيه.
وقد تخلّلت أشعارهم نُتفٌ من الحِكم التي
تناسب وشعر الرّثاء الذي يدعو إلى العبرة المستقاة من تقلّب الأقدار وغدر الزمان،
يقول ابن عبد الصمد:23))
حتى إذا ما الدهر أظهر حقده والدهر للأحرار ذو أحقاد
والدهر أذهبَ تُبَّعا وجموعه وأزال
مُلك الأرض عن شدّاد
كما يقول ابن اللبّانة في هذا الغرض( 24)
هي المقادير لا تبقي على أحدٍ وكلّ ذي نفسٍ فيها لآماد
فروح التسليم بالقضاء والقدر تبدو جليّة لدى
الشاعر الأندلسي رغم الأسى والحزن على ما آل إليه المعتمد بن عباد وذويه بعد أفول
إمارتهم عن الأندلس.
ويبدو من خلال قراءتنا في ثنايا هذا الكتاب
وقوف الكاتب عند بعض الظواهر اللغوية والأسلوبية كأسلوب الاستفهام، وخاصة
الاستفهام الإنكاري، وبعض الحقول المعجميّة، كالحقل الدال على البكاء، إضافة إلى
الحقل الدال على الزمان
وبعض الصور كصورة الكرم، وصورة الشجاعة،
وصورة السماحة25)).
أما فيما يتعلّق بالمنهج الذي اعتمده الكاتب
في هذه الدراسة، فنجدهقد ركّز على المنهج التاريخي الذي عرّفه الدكتور محمد عمر
الطالب بكونه يدرس الأديب أو الحركة الأدبية مرتبطة بالتطور الفني والاجتماعي
والسياسي26))، وهذا ما نُلفيه في مختلف مراحل هذا الكتاب.
كما يبدو أن الكاتب استعان ببعض المناهج الأدبية الأخرى، كالمنهج الاجتماعي،
والمنهج النفسي، والمنهج البنيوي، إضافة إلى المنهج الموضوعاتي، ونظرية التلقّي،
خاصّة عند فَسحه المجال أمام القارئ في ذيل الكتاب، لتلقّي النص الشعري وتذوّقه،
بل ودراسته ونقده مع بعض التوجيهات والإضاءات والإرشادات التي لا تقيّده، بل
تساعده على سبر أغوار القصيد، وفهم معنا.
وفي الأخير، نهنّئ الدكتور عبد الدين حمروش
على مُنجزه النقدي والأدبي الذي يُعدّ لبنة من لبنات جُسور التواصل بين حاضر
الأمّة وماضيها؛ وكذا بين الحقول المعرفية على اختلاف مشاربها.
كما لا يفوتنا أن نشكر الحضور على رحابة صدورهم،
وجميل إصغائهم.
والسلام
الفهرست
1ـ المعتمد بن عباد ضيفا على المغرب ، ص 4
2 ـ نفسه، ص 4 ,5
3 ـ نفسه ، ص 7
4 ـ نفسه ، ص 17
5 ـ نفسه، ص 39 ـ 40
6 ـ نفسه ص 42،
7 ـ نفسه ص 84 ، 85 .
8 ـ شرح المعلقات السبع للأبي عبد
الله الزوزني ، لجنة التحقيق الدار العلمية ، ص 13
9 ـ المعتمد بن عباد ضيفا على المغرب ، ص 85.
10 ـ نفسه ، ص 143
11 ـ نفسه، ص 182
12 ـ نفسه ، ص 181
13 ـ العمدة لابن رشيق القيرواني 2/ 252 ـ 254
14 ـ المعتمد بن عباد
ضيفا على المغرب ، ص 105
15 ـ نفسه، ص 194
16 ـ نفسه، ص 198
17 ـ نقد الشعر قدامة بن جعفر ، ص 96
18ـ المعتمد بن
عباد ضيفا على المغرب ، ص 201
19 ـ العمد لابن رشيق، 2/784
20 ـ ديوان نصيب بن رباح ، جمع وتحقيق داوود سلوم، ص 82
21 ـ المعتمد بن عباد
ضيفا على المغرب ، ص193
22ـ
نفسه ، ص 125
23 ـ نفسه ، ص 198
24 ـ نفسه، ص 130
25 ـ نفسه، ص110 ـ122
26 ـ مناهج الدراسات الأدبية الحديثة ، ص 17